كانت أمي تتاجر بي
لم أكن أعلم أبدًا ما كان مخطّط أمّي بما يخصّني، فكيف لي أن أتصوّر للحظة أنّ المرأة التي حمَلَتني ببطنها واهتمَّت بي طوال سنوات كانت بالحقيقة تنوي المتاجرة بي؟
كنتُ ابنتها الوحيدة بعدما أنجَبت أربعة صبيان، وكنتُ أشعر بالفخر كلّما سمعتُها تقول لمَن أرادَ سماعها: "بقيتُ أحاول حتى أنجَبتُ أخيرًا ابنتي الجميلة".
صحيح أنّني كنتُ جميلة، خاصة أنّ أمّي كانت تلبسني دائمًا أجمل الفساتين والأحذية وتأخذني معها لنزور الناس، ولكنّها كانت بالحقيقة تروّج "البضاعة" كما قد يفعل المرء بمنتوج يُريد بَيعه.
لا تسيئوا الفهم، لم تكن والدتي تريد بيع جسدي بل فقط تأجير يدي. وأغرب ما في الأمر، أنّنا لم نكن فقراء لتبحث عن المال، بل متوسطي الدخل، إلا أنّها رأت فيّ فرصة للحصول على ما سيُؤمّن لها أيّامًا جميلة عندما يتوقّف أبي عن العمل.
ومرَّت السنوات وبفضل "حملاتها"، بدأ الناس ينتظرون أن أكبر قليلاً ليطلبوا يدي. كلّ الجارات حضّرنَ أولادهنّ لنَيل أعجابي والفوز بي.
صحيح أنّني كنتُ سعيدة بشعبيّتي، ولكن ما كان يهمّني فعلاً هو أن أكمل دراستي وأدخل الجامعة وأنال إجازتي. فلطالما سُحِرتُ بتلك النساء اللواتي وصلنَ إلى مراكز مهمّة، وأردتُ أن أكون مثلهنّ.
إلا أنّ والدتي كانت تحضّر لي مستقبلاً مختلفًا.
وجاء أوّل عريس، وعندما جلَسَ محمّر الوجه في صالوننا، ركضتُ إلى المطبخ حيث كانت أمّي تحضّر العصائر لأقول لها:
ـ مَن ذلك الشاب؟
ـ عريسكِ، حبيبتي.
ـ ومَن قال لكِ إنّني أريد أن أتزوّج؟ أو أنّني حتى أريده هو بالذات؟
ـ عودي إلى الصّالون وكفى جدالاً! أنا أمّكِ وأعرف مصلحتكِ أكثر منكِ!
وامتثلتُ لأوامرها لأنّها كانت امرأة قويّة لا يقف بوجهها أحد، حتى أبي وأخوَتي الشباب.
وبالرّغم مِن بكائي، تمَّت الخطوبة وبدأتُ أواعد جهاد الذي لم يُعجبني أبدًا، لأنّه كان شديد الجديّة ولم يثر اهتمامي قط.
وكم كانت فرحتي كبيرة عندما قالَت لي أمّي ذات يوم:
ـ سنفسخ الخطوبة.
ـ حقًّا؟ لماذا؟ أعني طبعًا... ولكن ما الذي غيّر رأيكِ؟ هل لأنّني لا أريده؟
ـ لا... لا بل لأنّني اكتشفتُ أنّ لأمّه ماضٍ غير شريف.
ـ اكتشفت ذلك؟ ولكنّكِ تعرفينها منذ سنوات!
ـ أجل... ولم أعد أريده! ظننتُ أنّ الأمر سيُفرحكِ... أو أنّكِ موافقة عليه؟
ـ لا! بالعكس... كم أرتاحَ قلبي يا أحلى ماما! سأعيد له الذهب الذي قدّمَه لي بمناسبة الخطبة.
ـ بالطبع حبيبتي... أعطِني العقد والسّوار والقرطَين وسأحملها إلى والدته في الغد.
وأكملتُ حياتي بفرح كبير، بعد أن خلّصَتني والدتي مِن الكارثة التي اسمها جهاد. ولكن بعد أشهر قليلة، جاءَنا زائر ثانٍ اسمه عادل. كان شديد القباحة ولم أطق النظر إليه. ومرّة أخرى، لم أستطع تغيير رأي أمّي ببكائي وصراخي، وخطَبَني الرجل. كانت مشاويري معه بمثابة عذاب لا يُطاق، فقد كان له رائحة فم كريهة وكلّما اقترَبَ منّي ليُكلّمني كنتُ أشعر أنّه سيُغمى عليّ.
ومرّة أخرى، فسخَت والدتي الخطبة بذريعة أنّ الرّجل يهوى النساء القليلات الحياء ويقصد الملاهي الليليّة.
ـ كيف علِمتِ بذلك يا ماما؟
ـ حبيبتي... أنا أمّكِ وجلّ ما يهمّني هو مصلحتكِ... أعمل جهدي لأعثر لكِ على الزوج المناسب.
ـ لما لا تسألين عنه قبل الخطوبة؟
ـ هذا لا يهم... لقد خلّصتكِ منه، أليس كذلك؟ هيّا... أعطِني المجوهرات كي أعيدها إليه.
ولم يخطر ببالي أبدًا أنّ أمّي كانت تلعب لعبة دنيئة هدفها جمع ما يُمكنها مِن الذهب لبيعه ووضعه في حسابها المصرفيّ. وهؤلاء الخطّاب لم يُطالبوها بالحلي، لأنّ والدتي كانت تهدّدهم بالكشف عن أسرارهم غير المشرّفة. فقد كانت تختارهم عن قصد أو أنّ لكلّ منّا أسراره؟ لا أملك الجواب على هذا السؤال، ولكن كلّ ما أعرفه هو أنّني كنتُ سعيدة بالتخلّص مِن هؤلاء الرجال.
وتتالى الخطّاب، وفي كلّ مرّة كانت هناك شائبة، وفي كلّ مرّة كنتُ أعطيها المجوهرات. حتى بدأ الناس بالتكلّم عنّي. فبالطبع ظنّوا أنّني أعاني مِن مشكلة ما كي أُخطَب وأُترك هكذا. وعندما أعرَبتُ لأمّي عن استيائي ممّا آلَت إليه سمعَتي، أجابَتني:
ـ هذا لا يعنيهم... أعرف أنّ ابنتي جميلة وشريفة وهذا أكثر مِن كافٍ.
وكانت ستستمرّ بالاستفادة منّي لولا قدوم زاهي لخطبتي. كان مختلفًا عن الباقي: كان وسيمًا ومثقّفًا ولائقًا، وعندما رأيتُه علِمتُ أنّه سيكون زوجي. لم أقل شيئًا لأمّي، لشدّة خوفي مِن أن ترفضه لأنّه أعجَبَني أو أن تجد له عيبًا وتبعده عنّي.
اعمل متابعة لصفحتى الشخصية او طلب صداقة وعلق ب 10 ملصقات حتى يصلك الجزء الاخير علي صفحتي
الجزء الاخير لن يصل الا للمتابعين والاصدقاء فقط