قاعدة في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده
عبد الخالق بن جار الله
القرآن كله لتقرير التوحيد ونفي ضده. وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الإلهية وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ويخبر أن جميع الرسل إنما أرسلت تدعو قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل، بل الفطر والعقول السليمة كلها اتفقت على هذا الأصل، الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يدن بهذا الدين الذي هو إخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده. فعمله باطل
" لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ "
[الزمر 65]
" وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
[الأنعام 88]
ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن الله المنفرد بالخلق والتدبير والمنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة: هو الذي يسحق العبادة وحده. ولا ينبغي أن يكون شيء منها لغيره. وأن سائر الخلق ليس عندهم أي قدرة على خلق، ولا نفع ولا دفع ضر عن أنفسهم فضلاً عن أن يغنوا عن أحد غيرهم من الله شيئاً.
ويدعوهم أيضاً إلى هذا الأصل بما يتمدح به، ويثني على نفسه الكريمة، من تفرد بصفات العظمة والمجد، والجلال والكمال وأن من له هذا الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه مشارك: أحق من أخلصت له القلوب والأعمال الظاهرة والباطنة.ويقرر هذا التوحيد بأنه هو الحاكم وحده. فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاء
" إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ "
[يوسف 40]
وتارة يقرر هذا بذكر محاسن التوحيد، وأنه الدين الوحيد الواجب شرعاً وعقلاً وفطرة، على جميع العبيد. ويذكر مساوئ الشرك وقبحه، واختلال عقول أصحابه بعد اختلال أديانهم، وتقليب أفئدتهم، وكونهم أضل من الأنعام سبيلا.
وتارة يدعو إليه بذكر ما رتب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة والحياة الطيبة في الدور الثلاث، وما رتب على ضده من العقوبات العاجلة والآجلة، وكيف كانت عواقب المشركين أسوأ العواقب وشرها.
وبالجملة: فكل خير عاجل وآجل، فإنه من ثمرات التوحيد، وكل شر عاجل وآجل، فإنه من ثمرات الشرك والله أعلم(1).
المراجع
القواعد الحسان لتفسير القرآن ص17، 18 للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.